فضاء حر

اليمن ذلك المشغول :ثلاثة أيام وثلاث قوى

اليوم الأول: 21 مايو وفيه ارتكبت أكبر مجزرة في تاريخ اليمن في ميدان السبعين بصنعاء في محيط مقر قوات الأمن المركزي المسؤولة عن أمن العاصمة واليمن كله وعن التصدي للإرهاب التي توانت عن محاربته طيلة عام حتى تمكنت القاعدة من التمدد في عدة محافظات جنوبية لانشغالها بقمع ثورة الشباب و تخليها عن حيادها في الصراع الذي أدى إلى فقدان عم قائدها الفعلي للسلطة وانشغاله بدعمه من منطلق الولاء العائلي وليس الوطني مخالفا بذلك المادة 40 من الدستور التي لاتجيز للقوات المسلحة والأمن الانحياز السياسي ناهيكم عن القتال مع طرف ضد آخر يرقى إلى جرائم الحرب.
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب اعترف وبسرعة غير معتادة بارتكاب المجزرة بدون خجل من دين يرفع رايته يردعه عن القتل الوحشي لأكثر من مائة شاب وجرح أكثر من 300 دفعتهم البطالة والفقر اللذان كانا من نتاج نظام صالح إلى الالتحاق بالأمن المركزي وبالجيش وهما نفس دوافع صالح وجيله من أسرته قبل نصف قرن من الزمان عندما وجدوا في الجيش ملاذا يقيهم الجوع والفاقة وقبل أن يتحول صالح إلى واحد من أكبر أثرياء اليمن.
معظم الضحايا هم من قوات الأمن المركزي المناط بها حماية الأمن التي تحولت إلى قوة قمعــــية وتخصصت فقــــط في حماية الأسرة الحاكمة . هذه القوات غير العادية في تسليحها وفي عقيدتها غير الأمنـــية كانت ولاتزال فــــوق الرقــــابة والمساءلة الإدارية والمالية والقانــونية ومستــــقلة تمــــاما عن سلطة وزير الداخلية وقائدها الشكلي ذو الرتبة العسكرية الكبيرة لأن 'رئيس أركان حرب قوات الأمن المركزي '(التسمية تنـــاسب وحدة عسكرية تتبع الجيش وليس قوة أمنية لاعلاقة لها بالحروب) هو
القائد الحقيقي. رئيس أركان الحرب كان يجب أن يقال لتقصيره في حماية جنوده وهم يتدربون على العرض العسكري بمناسبة الذكرى ال22 للوحدة اليمنية وليس فقط قائدها الصوري الذي أقيل في يوم ارتكاب الجريمة واكتفى بالغنائم التي تسمى في الجيش والأمن بالرّديات وهي مبالغ مالية شهرية يستحوذ عليها قادة الوحدات العسكرية والأمنية بدون وجه قانوني من رواتب وهمية أو رواتب لعناصر تركت الخدمة ومن ميزانيات الوحدات التي يقودونها و تقدربالمليارات من الريالات (المليار يساوي خمسين مليون دولار تقريبا) وكان يسكت عنها القائد الأعلى السابق صالح للي الأعناق فيما يعرف بالسكوت المتبادل عن نهب المال العام من قبل طرفي الفساد.
ومعروف لليمنيين ولغيرهم أن أفراد الجيش والأمن في كشوفات المرتبات غيرهم على الأرض. وينقل عن الشهيد إبراهيم الحمدي الذي قاد اليمن بنزاهة من عام 1974 إلى عام 1977 تنبيهه في المركز الحربي بتعز عام 1977 وصالح يسمع أن على القوات المسلحة أن تصحح صفوفها لكي يكون للتصحيح مصداقية عامة بعد أن وجد أمام ناظريه عددا يسيرا من لواء عسكري بينما كشف المرتبات يحتوي أرقاما كبيرة.
الفساد العسكري سهل استشراء الفساد في الخدمة المدنية وخلود الكل إلى الطمأنينة من عدم المحاسبة لأن الفساد محمي ومبارك من الأب الروحي. بعد مجزرة 21 مايو لم يدر بخلد قائد قوات الأمن المركزي الفعلي الذي لايخضع لسلطة وزير الداخلية وهو إبن أخ الرئيس السابق صالح أن يستقيل بعد هذا الفشل الأمني الذريع.
ومن سخريات السياسة في اليمن أن يطالب البعض والدماء لاتزال تغطي ميدان الجريمة باستقالة حكومة الوفاق الوطني وليس باستقالة هذا القائد ومحاسبته على تقصيره. هذا القائد يغيب أمن الوطن عن أولوياته ولايزال
يعتبر الصراع مع قوى التغيير مستمرا لذلك يرسل كل جمعة عدد من الناس لتأدية الصلاة في شارع الزراعة الموازي لساحة التغيير ويرفع في موقعه الإليكتروني نبأ نيوز شعار 'ارحلوا من شوارعنا'. هذا الموقع لم يقل كلمة واحدة حتى كتابة هذا المقال يوم24 مايو عن جريمة السبعين أوعن احتفالات الشعب بعيد الوحدة أو التغييرات الأمنية التي مست شقيقه ورئيسه الصوري.
القاعدة كقوة إرهابية وبقايا الأسرة الحاكمة تشترك أهدافهما في تقويض الأمن والاستقرار وهز صورة الشرعية الجديدة لتحقيق غرض حقير ينسب لصالح وهو أنه مصر على إفساد المرحلة الانتقالية حتى يصل الشعب إلى وضع يندم فيه على انقضاء حكمه والسخط على الثورة و ينسب إليه أيضا القول بأنه لن يترك اليمن إلا وهو حجر فوق حجر.
هذا عن اليوم الأول وقوتاه اللتان هما في حقيقة الأمر قوة واحدة وفي جلباب واحد . وزير الشؤون القانونية عبر عن هذه الحقيقة في تصريح خاص لصحيفة الجمهورية في 23 مايوبقوله 'أن العملية الإرهابية في ميدان السبعين تعتبر نتاجا لاختلاط التنظيمات الإرهابية بأجهزة الأمن والجيش منذ العهد السابق وأن اليمن يجني حاليا مساوئ الاختلاط الذي تم التستر عليه طويلا وأظهرته حادثة ميدان السبعين التي تعد كارثة حقيقية بحق الوطن'.
هذه العلاقة لم تكن خافية على اليمنيين والسعوديين والأمريكيين وكانت مسرحية نفق السجن المركزي قبل سنين قليلة كاشفة للعلاقة بين الطرفين. وقتها زعم صالح أن القاعدة حفرت النفق لتهريب بعض عناصرها ثم ينقل أكثر من مصدر أن أحد قادتها شوهد عنده وقد تم اعتقاله ومحاكمته محاكمة صورية ولكن سرعن ما أطلق سراحه . حينها تشككت السفارة الأمريكية في الرواية الرسمية وطلبت رؤية النفق ورفض طلبها. والحكايات سمينها وغثها كثيرة في هذا المجال.
ويتصل بموضوع التقاعس عن أداء الواجب في محاربة القاعدة معاقبة عريف في الأمن المركزي يدعى وديع محمد علي الغابري أبلى بلاء حسنا في معركة شارك فيها اللواء 25 ميكا ضد القاعدة بحرمانه من مرتباته لأنه رفض مع عشرات من رفاقه تسليم أنفسهم وأسلحتهم للقاعدة بناء على أمر من قائد المنطقة الجنوبية المقال وأصيب بإعاقة تمنعه عن أداء واجبه القتالي بينما من نفذوا الأمريتسلمون مرتباتهم وعندما يطالب بمرتباته في صنعاء يقال له روح حارب القاعدة.
اليوم الثاني: هو يوم 22 مايو الذي حقق فيه الشعب اليمني وحدته التي حولها صالح من نعمة إلى نقمة لإخواننا في الجنوب خاصة الذين يطالب قسم منهم بالإنفصال. كل مساوئ الحاضر حدثت في عهد صالح الذي لايزال يتبجح بإنجازات وهمية ويعبر عن حرص أضاعه وهو يحكم ويتباكى عليه في الوقت الضائع على هذه المنجزات وهو الذي لم يهتم بمصالح المواطن البديهية جدا و كان يضلل الشعب بتسمية بعض المشاريع الخدمية البسيطة بالمشاريع الاستراتيجية. صالح لم يتفوه ولا مرة واحدة بكلمات كالتضخم والبطالة وخطورتها والعمل على رفع مستوى المعيشة وتجويد التعليم ولم يسرد رقما أو إحصاء واحدا له علاقة بالتنمية والمستقبل وكانت مشاريعه مكرفونية وما يطبق منها يأكل الفساد معظم مخصصاتها و يعلم بذلك ولايحرك ساكنا لأن على رأسه بطحة كبيرة جدا.
ولم يكن يروق لصالح التحدث عن أي جانب سلبي أو معوق للتنمية وكانت صورة البلاد وردية عنده وحده.حتى الفساد كان ينكره علنا ويتهم المعارضة بارتكابه.
وفي حمى التضليل لم يكن يدرك أن الشعب لايصدقه لأن المسؤول عن ثروات البلاد هو صالح وليس غيره وأن محافظ البنك المركزي ووزير المالية يأتمران بأمره الذي لايرد . لقد أرادت القوتان الماضويتان العائلة والقاعدة أن تعكرا على الشعب صفو فرحته وهو يحتفل بالوحدة بغياب الطاغية على رأس السلطة وأن تتحديا الأمر التنفيذي للرئيس اوباوما فرض عقوبات على من يهدد استقرار اليمن والعملية السياسية في مرحلة الانتقال. لقد تساءل كثيرون عن المستفيد مما حدث وكانت الإجابة أنهما طرفان يبدوان متعارضان ولكن يجمعهما الحقد على الشعب الرافض لهما ورغبتهما في الإطاحة بالشرعية الجديدة وإعادة عجلة الثورة إلى الوراء.
اليوم الثالث 23 مايو: هو اليوم الذي تعرى فيه نظام صالح عندما ترافق اجتماع مجموعة أصدقاء اليمن في الرياض بإعلان سبع منظمات دولية عن كارثة غذائية يواجهها عشرة ملايين يمني أي 40' من السكان واحتمال وفاة 300000 فرد بسبب الجوع هذا العام . اليمن كانت في عهدة غير بنيه ابتداء من عام 2006 عندما اجتمعت دول خليجية وغربية في لندن وقررت دعم اليمن بأكثر من 5 بلايين دولار لم يستفد اليمن إلا ب10' منها. وليس أصعب على أي شعب من أن تسلمه قيادة غير أمينة حكمت البلد لثلث قرن إلى وضع أشبه بالوصاية عليه يفقد فيه بعض استقلاله وقراره المستقل ويتحول من منتج إلى متسول.
صالح نجح فقط في الإبحار باليمن في مسالك ظلامية وعرة ليصل به إلى مرتبة الدولة الفاشلة والمفلسة والفاسدة. اليمنيون بعد تضحياتهم لتغيير نظام العائلة يتطلعون إلى نظام جديد بقوى جديدة وأدوات جديدة لم تتلوث بالفساد والمحسوبية والمناطقية يعلن القطيعة مع نظام صالح وتختفــي فيه القاعدة من أراضيه ولا يجد أحدا عذرا ليقول أن أمنه القــومي يهدده وجودها في اليمن. ومن غرائب الأمور أن ينبري محمد نجل الشيخ الزنداني لدعوة اليمنيين لمحاربة الأمريكيين في أبين وكأنه أصيب بالعمى ولاينظر إلى أن طرفي الصراع وضحاياه محليين ولكن إبن الوز عوام كما يقال وقبل ذلك لم تخف أخته تعاطفها مع'أنصار ألشريعة'…
إن استقرار اليمن أصبح مصلحة إقليمية ودولية والأمر التنفيذي لاوباما في 16 مايو لعقاب من يعرقل العملية السياسية والاستقرار في اليمن له جوانبه الإيجابية وأهمها أنه لم يقصر العقوبات ضد صالح وزمرته وإنما عنى كل من يهدد استقرار اليمن والانتقال السياسي وفي هذا يدخل الحراك الجنوبي والحوثيون و أي قوة أخرى كتلك التي تدعو اليمنيين بالوكالة لمحاربة امريكا في أبين.
الأمر التنفيذي يدعم الوحدة اليمنية وهذه هي الرسالة الأخرى التي يجب أن يدركها من يطالب بالانفصال ويحمل الوحدة وليس نظام صالح مسؤولية ماحل بالجنوب من كوارث ويتجاهل متغير الثورة الذي يقر بالمظالم التي حلت بالجنوبيين ويقبل بالفيدرالية والمواطنة المتساوية وحل مشكلتي صعدة وتهامة وإرساء ثقافة وطنية جامعة لاتقبل التهمــيش الذي مورس كثقافة وسلوك لقرون.

' كاتب ودبلوماسي يمني

القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى